9/15/2015 :: الكلمة الافتتاحية لمعالي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية أنس خالد الصالح

بسم الله الرحمن الرحيم الأخوات والأخوة ،، الحضور الكــرام ،، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، يسعدني أن أرحب بكم جميعا في دولة الكويت متمنيا لكم طيب الإقامة، وإنه لمن دواعي سرورنا جميعا أن تستضيف دولة الكويت هذا المؤتمر الهام الذي تنظمه مؤسسة اليورومني للمرة السابعة على التوالي، بمشاركة المؤسسات المصرفية والمالية الوطنية، وبحضور كوكبة متميزة من الخبراء والمختصين لتبادل الآراء حول بعض القضايا المحورية التي تهم المعنيين بالشأن الاقتصادي في دولة الكويت. الأخوات والأخوة ،، ينعقد هذا المؤتمر في ظل أجواء اقتصادية عالمية وإقليمية مليئة بالتحديات.

فالأداء الاقتصادي في معظم مناطق العالم لا يزال عند مستويات متواضعة نسبيًا، وتنطوي الآفاق المستقبلية لذلك الأداء على احتمالات سلبية عديدة.

وقد انعكست تحديات الأداء الاقتصادي العالمي بشكلٍ مؤثّر على منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية من خلال التراجع الحاد الذي تشهده أسعار النفط في الأسواق العالمية منذ منتصف العام الماضي.

وفي ضوء ذلك، أود أن أتحدّث اليوم وبإيجاز عن المعالم والتوجّهات الرئيسية للسياسة المالية في دولة الكويت في المرحلة الحالية. فقد جاء الانخفاض الحاد والمفاجئ إلى حدٍّ كبير في أسعار النفط في الأسواق العالمية منذ يونيو من العام الماضي ليُسلّط الضوء مرة أخرى على إحدى أبرز معضلات الموازنة العامة لدولة الكويت، وهي الاعتماد شبه الكامل على الإيرادات النفطية.

وضمن هذا الإطار، قد يكون من المناسب الإشارة إلى أن اعتماد الموازنة العامة على الإيرادات النفطية يرتبط بشكلٍ أساسي بالبيئة الهيكلية للاقتصاد الكويتي والدور المحوري للصناعة النفطية في الاقتصاد الكويتي، لاسيّما وأن الكويت تملك نحو 10% من المخزون العالمي للنفط وهي واحدة من أكبر عشرة مصدرين للنفط في العالم. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن دولة الكويت قامت ومنذ بداية ظهور الفوائض من العائدات النفطية في خمسينيات القرن الماضي بتكوين صندوق الاحتياطي العام. كما بادرت منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي بإنشاء صندوق احتياطي الأجيال القادمة، وكانت بذلك رائدة في مجالي بناء الاحتياطيات العامة، وانشاء صناديق الثروة السيادية في البلدان المصدرة للنفط على المستوى العالمي. وتواصل دولة الكويت تطوير أداء هذين الصندوقين وإدارتهما بحصافة للتخفيف من أثر التقلبات الحادة التي تشهدها أسعار النفط والتي باتت سمة من سمات أسواقه العالمية. الأخوات والأخوة ،، لا شكّ بأن الانخفاض الحالي لأسعار النفط في الأسواق العالمية وتداعيات استمراره على أوضاع الموازنات العامة يمثل أحد أبرز الاهتمامات على الساحات المحلية والإقليمية والدولية. وفي هذا الصدد، أودّ التأكيد على بعض المنطلقات الأساسية في تعاملنا مع هذه التداعيات وذلك على النحو التالي: أولاً : نرى أهمية التمييز بين العجز المالي للموازنة العامة – أي الفارق بين الإيرادات والمصروفات – والعجز الهيكلي لتلك الموازنة والمرتبط أساسًا بالبنية الهيكلية للاقتصاد الوطني من حيث اعتماده على إنتاج وتصدير النفط ومشتقاته وما يصاحب ذلك من قصور في تنوع مصادر الإيرادات العامة من جهة، والنمو المتسارع للمصروفات الجارية لتلك الموازنة من جهةٍ أخرى. وتكمن أهمية ذلك التمييز بين العجز المالي والعجز الهيكلي في تحديد نوعية المعالجات المطلوبة لتلك العجوزات. فالعجز المالي يمكن معالجته من خلال التمويل من الاحتياطيات العامة أو الاقتراض وهو عجز مؤقت يتلاشى مع ارتفاع أسعار النفط. أما العجز الهيكلي فيرتبط بالضرورة بالبنية الهيكلية للاقتصاد الوطني واعتماده على النفط كمصدر يكاد يكون وحيدًا لتوليد الدخل، وهذا عجز تتطلب معالجته اصلاحا اقتصاديا شاملا لا يمكن تحقيقه الا على مدى أطول من الزمن. ثانياً : في مواجهة العجز الهيكلي للموازنة العامة، لا بدّ من إعادة تحديد دور الحكومة في الاقتصاد الوطني باتجاه تعزيز الجانب الرقابي والتنظيمي والإشرافي وتطوير قدراتها على القيام بذلك الدور بكفاءة، وتعزيز دور القطاع الخاص في دفع عجلة النشاط والنمو الاقتصادي. ثالثاً : مواصلة الاهتمام بتنمية وتطوير القدرات الإنتاجية للاقتصاد الوطني في مجالات التنمية البشرية (التعليم والصحة) وتطوير البنى التحتية في مختلف القطاعات الاقتصادية. رابعاً : توسعة وتطوير شبكة الأمان الاجتماعي بما يضمن متطلبات العيش الكريم لكافة شرائح المجتمع، وخصوصًا ذوي الدخول المتدنية نسبيًا. الأخوات والأخوة الكرام ،، استنادًا إلى المنطلقات الأربعة السابقة ، أود أن أشير وبإيجاز إلى مسارات التحرّك التي إنطلقت فعلاً والتي نحرص على إتباعها لتحقيق الإصلاح المالي كقاطرة للإصلاح الاقتصادي المنشود وذلك على النحو التالي: أولاً : دراسة البدائل المختلفة لسد الفجوة التمويلية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط بما في ذلك أولوية الاقتراض المحلي، أخذًا في الاعتبار وجود الإطار التشريعي لإصدار أدوات الدين العام والخبرة الممتدة لبنك الكويت المركزي في إدارة إصدارات أذونات وسندات الخزانة الكويتية نيابةً عن وزارة المالية منذ ثمانينيات القرن الماضي. ثانياً : استكمال منظومة التشريعات واللوائح لتفعيل الصيغ المختلفة للشراكة بين القطاعين العام والخاص بما ينسجم مع إعادة تحديد الدور الاقتصادي للحكومة باتجاه الرقابة التنظيم والاشراف وتعزيز الدور الرائد والرئيسي للقطاع الخاص في الاقتصاد الوطني. وفي اطار ذلك تم مؤخراً بدء إجراءات طرح عدد من المشروعات التنموية بنظام الـ BOT منها محطتي الزور والخيران للطاقة الكهربائية وتحلية المياه ، ومحطة العبدلية لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية ، ومشروع كبد لتدوير النفايات،، وهذا يسير بالتوازي مع تكثيف الجهود الرامية لخلق مناخ استثماري جاذب للمستثمر المحلي والأجنبي من خلال تطوير بيئة الأعمال وتبسيط وتقليص الإجراءات البيروقراطية. ثالثاً : العمل على تعزيز مرونة الموازنة العامة في جانبي المصروفات الجارية والإيرادات غير النفطية وزيادة كفاءة برامج الدعم المختلفة بما يضمن توجيه ذلك الدعم الى مستحقيه وإعادة النظر في نظم التسعير مقابل الانتفاع بالسلع والخدمات العامة للحد من مظاهر الإسراف في استهلاكها وتحسين جودتها. الأخوات والأخوة،، في الختام أود أن أتوجّه لحضراتكم بكل الشكر والتقدير، مُتمنيًا لكم جميعًا ولهذا المؤتمر التوفيق والسداد، ومتطلعاً إلى نتائج إيجابية تسهم في بلورة الرؤى لتحقيق مستهدفات دولة الكويت في ظل قيادة وتوجيه حضرة صاحب السمو أمير البلاد وسمو ولي العهد حفظهما الله ورعاهما. أشكركم على حسن استماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،