معالي رئيس مجلس الأمة الموقر،
الإخوة الأفاضل أعضاء مجلس الأمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تنص المادة (13) من المرسوم بقانون رقم (31) لسنة 1978 بقواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي على أن "يعد وزير المالية مشروع الميزانية، كما يعد بيانا يتضمن عرضا عاما للأسس التي بني عليها المشروع وتحليلا لما يهدف إليه"
واستنادا إلى ذلك يسرني أن أعرض عليكم بيانا يتناول تحليلا للأوضاع الاقتصادية المحلية والعالمية، متضمنا الأوضاع المالية والنقدية للدولة، وتحليلا لما يهدف إليه مشروع ميزانية السنة المالية 2015/2016، مع ما يتضمنه من توضيـح للأسس والمرتكزات التي أخـذت في الاعتبار عند إعداد تقديرات مشروع الميزانية.
الإخوة الأفاضل
عند تقديمنا لبيان وزير المالية عن مشروع ميزانية العام الماضي 2014/2015، ذكرت لكم وبالحرف الواحد:
"تواجه المالية العامة للدولة تحديات عديدة أهمها استمرار زيادة المصروفات الجارية على النحو الذي يؤدي الى إضافة أعباء دائمة سوف يكون التخلص منها صعبا للغاية في المستقبل، بصفة خاصة تزايد الانفاق على الدعم، واستحالة استدامة الإنفاق على المرتبات وما في حكمها بمعدلات نموها الحالية، ومخاطر تزايد أعباء العجز الاكتواري، من ناحية أخرى تتزايد تحديات النفط والغاز الصخري على الإيرادات النفطية، فضلا عن ارتفاع كفاءة استخدام الطاقة في الاقتصاديات المتقدمة" (انتهى)
وقد أشرت لحضراتكم في أكثر من موضع إلى استحالة استدامة المالية العامة للدولة بأوضاعها الحالية، وأن عجز الميزانية قادم لا محالة، وقد قدرت المؤسسات الدولية حدوثه ما بين 2017 إلى 2021، وقد علق البعض على ذلك بأن وزير المالية يبالغ في تقدير المخاطر التي تحيط بالمالية العامة للدولة.
الإخوة الأفاضل
يؤسفني أن أعلن أن العجز المالي في ميزانية دولة الكويت قد تحقق بأسرع مما يتصور الجميع، وها قد حانت لحظة الحقيقة التي طالما حذرنا منها.
لقد حققت مالية الدولة وفقا للحساب الختامي في السنة المالية 2014/2015 عجزا لأول مرة منذ السنة المالية 1999/2000 وفقا للبيانات الأولية يقدر بـ 2314 مليون دينار، بعد استقطاع مخصص احتياطي صندوق الأجيال القادمة، مقارنة بفائض مقدراه 4955 مليون دينار بعد استقطاع مخصص احتياطي صندوق الأجيال القادمة، وفقا للحساب الختامي للسنة المالية 2013/2014.
حيث تشير المؤشرات الأولية للحساب الختامي 2014/2015 إلى أن إجمالي الإيرادات بلغ 24933 مليون دينار مقارنة بـ 31811 مليون دينار في السنة المالية 2013/2014، أي بانخفاض نسبته 21.6%، وقد تراجعت الإيرادات النفطية إلى 22502 مليون دينار، مقارنة بـ 29292 مليون دينار في السنة المالية 2013/2014، أي بانخفاض نسبته 23.2%، بينما بلغ اجمالي المصروفات 21014 مليون دينار، مقارنة بـ 18903 مليون دينار في السنة المالية 2013/2014، أي بزيادة نسبتها 11.2%.
الأخوة الأفاضل
سوف أعرض على حضراتكم غدا الوضع المالي للدولة، والذي يبين متانة الأوضاع المالية للكويت في الوقت الحالي، وان استثمار أصولنا المالية يتم على أفضل صورة، وهو أحد أهم المؤشرات الإيجابية حاليا، وأحد العناصر الأساسية لرفع التقييم الائتماني السيادي لدولة الكويت، كما تشير دائما مؤسسات التصنيف العالمية، وآخرها مؤسسة فيتش قبل عدة أيام.
ولكن لا يجب علينا ان نخلط بين الأمرين، فالوضع المالي للدولة (أي إحتياطياتها) يعبر عن رصيد الأصول الخارجية للكويت، والذي تراكم عبر سنوات طويلة من الفوائض واستثمار هذه الفوائض بصورة متميزة، بينما تعبر الميزانية عن تدفقات الإيرادات والمصروفات خلال سنة مالية محددة، وعليه تكمن الخطورة الأساسية في أن تحول الميزانية الى تحقيق عجز يهدد باستنزاف هذه الأصول المالية التي تملكها الدولة، التي هي ملك لأجيال الكويت القادمة في الأساس، والتي أصبحت اليوم في خطر عظيم مع تراجع إيراداتنا النفطية وبدء تحقيقنا للعجز المالي.
الإخوة الأفاضل
نحن أمام وضع صعب من الناحية المالية في الوقت الحالي، يحتم علينا ضرورة التفكير جديا في بدء عمليات الإصلاح المالي في الدولة للسيطرة على إنفاقنا العام الجاري، وأن نعمل على تنويع مصادر إيرادات الدولة، حتى يمكن أن نسيطر على العجز، أو نحد من تأثيره السلبي على أصولنا الخارجية، وحتى لا تستمر الميزانية تحت رحمة تطورات الأوضاع في سوق النفط العالمي.
الإخوة الأفاضل
لقد شهد الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نمواً بلغ %1.5 ما بين عامي 2012 و2013 من 38667.1 مليون دينار عام 2012 إلى39239 مليون دينار عام 2013، بالأسعار الثابتة (أي باستبعاد آثار التضخم)، وقد سجلت أعلى معدلات النمو القطاعي في قطاع الصناعات التحويلية، حيث بلغ معدل النمو %13.9، يليه قطاع تجارة الجملة والتجزئة %10.8، ثم قطاع النقل والتخزين والمواصلات %8.3، ثم قطاع المطاعم والفنادق %5.8، ثم قطاع الوساطة المالية والتأمين %4.9.
هذا وتظهر بيانات ميزان المدفوعات للعام 2013 استمرار تحقيق فائض في الحساب الجاري بلغت قيمته 19.8 مليار دينار، وبالمقارنة مع الفائض المحقق في العام السابق، فقد تراجع الفائض بنسبة 10% حيث بلغ الفائض 22.0 مليار دينار في 2012، ويرجع ذلك في جانب منه إلى تراجع اجمالي الصادرات من 33.2 مليار دينار في 2012 إلى 32.6 مليار دينار في 2013، في الوقت الذي تراجع فيه الفائض في الميزان التجاري من 23.3 مليار دينار في 2012 إلى 21.1 مليار دينار في 2013.
وتتمتع دولة الكويت وفق أحدث تقارير مؤسسات التصنيف الدولية بصافي وضع مالي دائن يفوق بدرجة كبيرة أوضاع أقرانها، حيث أن متوسط الدين الحكومي هو من بين أدنى المعدلات في الدول التي تصنفها وكالة فيتش على سبيل المثال، كما أن الأصول السيادية الكويتية هي من بين الأعلى في البلدان التي تصنفها الوكالة، وقد قدرت هذه الأصول بنحو 266% من الناتج المحلي الاجمالي لسنة 2014.
أما عن معدل التضخم فقد ارتفع من 2.96% في مارس 2014 إلى 3.33% في مارس 2015 على أساس سنوي، ويعد هذا المعدل من المعدلات المنخفضة لارتفاع الأسعار بشكل عام.
الأخوة الأفاضل
لقد تخطى اجمالي عدد السكان في الكويت حاجز الأربعة ملايين لأول مرة في ديسمبر 2014، حيث بلغ عدد السكان 4.1 مليون نسمة، منهم 1.3 مليون كويتي بنسبة %31.2 من إجمالي السكان في الدولة، في المقابل ارتفعت نسبة السكان غير الكويتيين إلى68.8% من إجمالي السكان في الدولة.
أما على الصعيد الدولي، ووفقا لتقرير صندوق النقد الدولي عن آفاق الاقتصاد العالمي الصادر في إبريل 2015، فإن النمو الاقتصادي في العالم يتوقع أن يبلغ 3.5% في 2015، وأن يتحسن النمو في الدول المتقدمة مقارنة باقتصاديات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، والتي يتوقع أن يتراجع النمو فيها نتيجة لضعف آفاق النمو في الاقتصادات الكبرى وكذلك البلدان المصدرة للنفط، وبالنسبة لهذه الأخيرة، فإن عليها أن تستوعب صدمة كبيرة في معدلات التبادل التجاري بينها وبين العالم الخارجي، وأن تواجه ضغوطا أكبر على المالية العامة وموازين مدفوعاتها، وعليه يتعين على هذه الدول أن تكيف انفاقها العام تدريجيا مع الانخفاض في الإيرادات النفطية، حيث من المتوقع انخفاض إيرادات صادرات النفط في دول مجلس التعاون الخليجي في 2015 بنحو 287مليار دولار (أي ما يعادل 21% من إجمالي الناتج المحلي لهذه الدول).
بالنسبة للكويت يتوقع صندوق النقد الدولي أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية من 49.9 مليار دينار في 2013إلى 38 مليار دينار في 2015 بفعل تراجع أسعار النفط، ثم يأخذ في التزايد مرة أخرى حتى يصل إلى 55.4 مليار دينار في 2020، وأن يتراجع متوسط نصيب الفرد من الناتج بالأسعار الجارية من 45188.8 دولارا في 2013، إلى 41652 دولارا في 2020. في المقابل من المتوقع أن يتزايد الاستثمار كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 16.6% في عام 2014 إلى 23.8% في عام 2020، في الوقت الذي يتراجع فيه الادخار الوطني كنسبة من الناتج من 56.6% عام 2013 الى 38.5% في عام 2020.
بالنسبة للتطورات في السوق النفطية من المتوقع أن يسجل الطلب العالمي على النفط تحسنا نسبيا في العام الجاري 2015 ليصلإلى حوالي 92.50 مليون برميل/يوم. في المقابل من المتوقع أن تزيد امدادات النفط من البلدان المنتجة غير الأعضاء في أوبك خلال العام 2015 الى نحو 57.16 مليون برميل يوميا، بينما يتوقع أن يصل انتاج أوبك هذا العام نحو 31.487 مليون برميل/يوم في المتوسط، ويمثل هذا تحسنا نسبيا عن العام الماضي 2014 بمعدل 2.6%.
الجدير بالذكر أن سعر النفط الخام فقد منذ منتصف العام الماضي حوالي نصف قيمته، وكانت حدة التراجع قد تزايدت بعد أن قررت أوبك، عدم تخفيض سقف انتاجها، وقد تراجع سعر برميل الخام الكويتي منذ ذلك الحين الى مستويات متدنية، حيث سجل في يناير الماضي حدا أدنى بلغ 38 دولارا للبرميل. غير أن سعر النفط عاد إلى التماسك جزئيا، حيث يتجاوز سعر البرميل من خام برنت مستوى الستين دولارا في الوقت الحالي.
لقد تمثلت أهم الآثار الإيجابية المترتبة على انخفاض سعر النفط في تحفيز النمو الاقتصادي في العالم، وتراجع انتاج النفط الصخري.بينما تمثلت أهم الآثار السلبية في الضغط على المالية العامة للدول المصدرة وارتفاع مخاطر الانكماش السعري في العالم، وتراجع أسعار صرف عملات الدول المصدرة للنفط. أما بالنسبة لدولة الكويت فقد تمثلت أهم الآثار الإيجابية في الوعي بخطورة الأوضاع الراهنة للمالية العامة في دولة الكويت وتهيئة البيئة لتقبل جهود الإصلاح الاقتصادي وبدء السيطرة على الإنفاق الجاري. من ناحية أخرى فإن انخفاض أسعار النفط يحقق وفورات في قيمة الدعم الحكومي المقدم للسلع والخدمات. أما أهم الآثار السلبية فتتمثل في عودة العجز المالي في الميزانية العامة للدولة، وتراجع مستوى النشاط الاقتصادي والنمو وتراجع أسعار الأصول في دولة الكويت.
الأخوة الأفاضل،
وبعد هذه المقدمة عن الأوضاع الاقتصادية المحلية والعالمية أود أن أبين لحضراتكم أهم القواعد والأسس والتوجهات المالية والاقتصادية التي اتبعت في إعداد مشروع الميزانية للسنة المالية 2015/2016 وهي كما يلي:
1. اعتماد سياسات مالية رشيدة بعدم الاسراف وتجنب إصدار قرارات ترتب أعباء مالية جديدة.
1. وضع سقف أعلى للإنفاق بمشروع ميزانية السنة المالية 2015/2016 لجميع الجهات الحكومية على نحو لا يخل بمستوى الخدمات التي تقدمها.
2. تخفيض المصروفات الثانوية غير المؤثرة على أداء الجهات الحكومية.
3. العمل على إعداد ميزانية تنموية تلبي متطلبات المواطنين من كافة الخدمات العامة مع التركيز على تطوير خدمات التعليم والخدمات الصحية والاجتماعية والأمنية، وتوفير الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذ المشاريع الاستراتيجية والحيوية والضرورية للبنية الأساسية والمرافق العامة الواردة بخطة التنمية السنوية 2015/2016.
4- العمل على إصلاح هيكل المالية العامة، وذلك بتنمية الإيرادات غير النفطية وزيادة نسبة مساهمتها في الإيرادات العامة، والحد من الإنفاق الجاري وزيادة الإنفاق الاستثماري.
لقد قدرت الإيرادات بميزانية الوزارات والإدارات الحكومية والمتوقع تحصيلها خلال السنة المالية 2015/2016 بمبلغ 12.2 مليار دينار، (حيث قدرت الإيرادات النفطية على أساس سعر مقدر للنفط عند 45 دولارا للبرميل)، وذلك بانخفاض مقداره 8.04 مليار دينارا عن تقديرات السنة المالية 4120/2015 والبالغة 20.7 مليار دينار، أي بنسبة 38.8%، وتساهم الإيرادات النفطية بنسبة88.1% من الإيرادات الإجمالية المقدرة للسنة المالية 2015/2016. بينما كانت مساهمتها في الإيرادات الإجمالية المقدرة للسنة المالية 2014/2015 بنسبة 93.71%، بينما تساهم الإيرادات غير النفطية بنسبة 11.9% من الإيرادات الإجمالية المقدرة للسنة المالية 15/2016، في حين كانت مساهمتها المقدرة للسنة المالية 14/2015 بنسبة 6.29%، وبالطبع يرجع هذا الارتفاع في نسبة الإيرادات غير النفطية إلى انخفاض إيرادات النفط.
وتقدر المصروفات بميزانية الوزارات والإدارات الحكومية للسنة المالية 2015/2016 بمبلغ 19.17 مليار دينارا، موزعة على الأبواب المختلفة للميزانية كالآتي:
• بلغت جملة اعتمادات الباب الأول – المرتبات للسنة المالية 2015/2016 للوزارات والإدارات الحكومية 5387 مليون دينار بانخفاض نسبته 3.6% عن المعتمد للسنة المالية السابقة 2014/2015 وهو 5586 مليون دينار.
• بلغت اعتمادات الباب الثاني – المستلزمات السلعية والخدمات للسنة المالية 2016/2015 مبلغ 2.62 مليار بانخفاض مقداره 1.3مليار دينار عن اعتمادات السنة المالية 2014/2015 والبالغة 3.92 مليار دينار.
• بلغت اعتمادات الباب الثالث - وسائل النقل والمعـدات والتجهيزات للسنة المالية 2015/2016 مبلغ 285.5 مليون دينار، بانخفاض مقداره 4.8 مليون دينار عن اعتمادات السنة الماليـة 2014/2015 والبالغة 290.32 مليون دينار، أي بنسبة 1.7%.
• تم تقدير مشروع ميزانية الباب الرابع بمبلغ 2067 مليون دينار (تشمل الاستملاكات العامة)، وتبلغ الاعتمادات المالية المقدرة لمشاريع خطة التنمية السنوية 2015/2016 مبلغ 968 مليون دينار من إجمالي الاعتمادات المالية المقدرة للمشاريع الإنشائية بالميزانية والبالغة 1800 مليون دينار.
• بلغت اعتمادات الباب الخامس – المصروفات المختلفة والمدفوعات التحويلية للسنة المالية 2015/2016 مبلغ 8.82 مليار دينار بانخفاض مقدره 2.58 مليار دينار عن اعتمادات السنة المالية 2014/2015 والبالغة 11.4 مليار دينار، وذلك بنسبة انخفاض22.6%.
• يقدر العجز المتوقع للميزانية في السنة المالية 2015/2016 بمبـلغ 8.18 مليار دينار، وذلك على أساس سعر مقدر للنفط عند 45دولارا للبرميل.
• أما في حال ما إذا استمر تماسك سعر النفط خلال السنة المالية 2015/2016 عند مستوى 60 دولار للبرميل في المتوسط، فإنه من المتوقع أن ينخفض العجز إلى 4525 مليون دينار.
الإخوة الأفاضل،
نأمل في تحقيق الأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الواردة بمشروع الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2015/2016، التي هي مستمدة من التوجيهات السامية لحضرة صاحب السمو الشيخ/ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير البلاد حفظه الله ورعاه، لتوفير العيش الكريم للمواطن الكويتي، والعمل على تعزيز انتاجيته في ظل نظام اقتصادي حر، يقوم فيه القطاع الخاص بقيادة عملية التنمية والنشاط الاقتصادي على المستوى الكلي، وأن نعمل جميعا وبتضافر جهود السلطتين التنفيذية والتشريعية لرفع اسم دولة الكويت عاليا لتأخذ مكانها الريادي بين دول المنطقة والعالم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،