9/9/2014 :: كلمة معالي وزير المالية السيد / أنس خالد الصالح أمام المؤتمر الذي تنظمه اليورو موني

بسم الله الرحمن الرحيم ، ، ، الأخوة والأخوات ، ، ، الحضور الكـــرام ، ، ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ، ، يسعدنى أن أرحب بكم جميعاً في دولة الكويت متمنياً لكم طيب الاقامة ، وأود بدايةً أن أغتنم مناسبة إفتتاح هذا المؤتمر لأتقدم إلى مقام حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت حفظه الله ورعاه بأسمى آيات التهاني لتسمية سموّه "قائداً إنسانياً" ودولة الكويت "مركزاً إنسانياً عالمياً" من قبل منظمة الأمم المتحدة، داعياً المولى العلي القدير أن يحفظ سموه وأن يسدد على طريق الخير خطاه، معبراً عن اعتزاز كل كويتى بهذه المكانة التي وصلت إليها دولة الكويت تحت قيادته الحكيمة ، ومتمنياً لهذا البلد مزيد التوفيق لخدمة الانسانية جمعاء. الأخوة والأخوات ، ، ، إنه لمن دواعي سرورنا جميعا أن تستضيف دولة الكويت هذا المؤتمر الهام الذي تنظمه مؤسسة اليورو موني للمرة السادسة على التوالي، بمشاركة المؤسسات المصرفية والمالية الوطنية، وبحضور كوكبة متميزة من الخبراء والمختصين ورجال الأعمال وممثلي الجهات الحكومية لتبادل الآراء حول بعض القضايا المحورية التي تهم المعنيين بالشأن الاقتصادي، لاسيما وأن دولة الكويت تسعى في هذه المرحلة لتكثيف جهودها الرامية لإحداث نقلة نوعية في بنيتها الاقتصادية، وذلك في إطار رؤية استراتيجية لتطوير اقتصادنا الوطني ، ويتزامن انعقاد هذا المؤتمر مع بروز العديد من المتغيرات والمستجدات، والتي تضافرت مع بعضها البعض لتفرز بيئة مالية واقتصادية عالمية تفرض بطبيعتها على صانعي القرار التعاطي معها بدرجة عالية من اليقظة، خاصة وأن النظرة الغالبة في هذه المرحلة هي التفاؤل الحَذِر بشأن الاتجاهات المستقبلية لأداء الاقتصاد العالمي، وذلك مع ظهور بوادر التحسن على ذلك الأداء.

وتشير أحدث التقديرات الصادرة عن صندوق النقد الدولي إلى تحسن محدود في معدل النمو الاقتصادي لمجموعة الاقتصادات المتقدمة.

أما في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، والتي لا تزال تُساهم بالنصيب الأكبر في النمو الاقتصادي العالمي، فمن المتوقع حدوث بعض التباطؤ في معدل النمو الاقتصادي بتلك المجموعة، ولكن من المتوقع له أن يتحسّن في عام 2015.

وفي ضوء ذلك، تُشير أحدث تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أنه من المتوقع أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي العالمي نحو 3.4% في عام 2014 مقارنة بنحو 3.2% في العام السابق، مواصلاً اتجاهه نحو التحسن ليصل إلى نحو 4% في عام 2015.

وعلى الصعيد الإقليمي، تستمر اقتصادات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في تسجيل معدلات نمو معتدلة مع استمرار تحسن أداء القطاعات غير النفطية، أخذًا في الاعتبار المخاطر الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط بما تفرضه من تداعيات، لاسيّما على مناخ الاستثمار في المنطقة. وعلى الصعيد المحلي، تشير البيانات إلى استمرار تحسّن أداء القطاعات غير النفطية، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي لتلك القطاعات نموًّا بنحو 10% في عام 2013، الأمر الذي ترتب عليه نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية بنسبة 2.3% في عام 2013. وكما هو معلوم، فإن هيكل الاقتصاد الكويتي يتسم بملامح مُمَيزة، تشكّلت نتيجة إعتماده على القطاع النفطي بصورة أساسية، الأمر الذي ترتّب عليه اكتساب السياسة المالية لدور هام في دفع عجلة النشاط الاقتصادي غير النفطي، ولذلك تولي السياسة المالية والاقتصادية لدولة الكويت اهتمامًا خاصًا بآليات التحوط ضد إمكانات حدوث تقلبات خارجية المصدر، لاسيّما في أسواق النفط العالمية. ومن هذا المنطلق، حرصت الحكومة الكويتية على بناء أركان الدولة الحديثة من حيث توفير الخدمات الأساسية، كالصحة والتعليم، والمرافق العامة، وتطوير البنية التحتية، وهو ما أدّى إلى تعاظم دور الإنفاق العام كمحرّك رئيسي للنشاط الاقتصادي، وترتّب على ذلك بطبيعة الحال تغليب صبغة أحادية النشاط على الاقتصاد الكويتي، مع محدودية مساهمة الأنشطة الاقتصادية الأخرى، واعتماد القطاع الخاص بشكلٍ أساسي على المشروعات الحكومية، وبما حَدَّ كثيرًا من قدرات القطاع الخاص في دفع عجلة النشاط الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال معظم العمالة الوطنية تتوجّه إلى الالتحاق بالعمل في الجهاز الحكومي، مع ما ينطوي عليه ذلك من أعباء مالية متزايدة ، فضلاً عما تقدمه الحكومة من دعومات مالية كبيرة يتزايد عبئها المالي سنويًا. إن هذه السمات المُمَيزة لملامح هيكل الاقتصاد الكويتي من شأنها أن تفرض علينا ضرورة العمل الجاد لتنويع هيكل اقتصادنا الوطني، وتعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، بما يتماشى مع الأهداف الإستراتيجية للتطوير والتنمية. وهنا أود أن أؤكد على أن جهود مجابهة تلك التحديات لابد أن تكون نابعة من رؤية وطنية واعية بواقع المرحلة، وتأخذ بالاعتبار حقوق كل من الجيل الحالي والأجيال القادمة، في مسيرة متصلة من العمل والإنجاز. الأخوة والأخوات ، ، ، الحضور الكـــرام ، ، ، لا يمكن إغفال حجم التطورات والمتغيرات المعاصرة على الســاحـتين الإقليميــة والــدولية، وما تفرزه من تداعيات جَمَّة ومتشعبة، لا سيما على أسواق النفط العالمية، وبالتالي على مناخ الاستثمار والاستقرار الاقتصادي في المنطقة. ومع إدراكنا واهتمامنا البالغ بأبعاد تلك المخاطر وآثارها، إلا أننا نرى أنه في ظل تلك الأجواء تتأكد ضرورة الإصرار على تركيز الاهتمام على إصلاح الذات – وأعني هنا تحديدًا المثابرة في مواجهة المشكلات والتحديات التي تشوب الأوضاع الاقتصادية المحلية. وفي هذا الإطار، تحظى دولة الكويت بفضل الله تعالى بالعديد من الإمكانات والمقومات التي تُمكنها من مواجهة المشكلات والتحديات ، وأود أن أُشير هنا إلى أن مؤسسات التصنيف العالمية قد منحت دولة الكويت تصنيفات سيادية مُميزة، تعتبر الأعلى على مستوى منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتقوم بتأكيد تلك التصنيفات مع نظرة مستقبلية مُستقرة، وذلك استنادًا على قوة ومتانة الأوضاع المالية للموازين الداخلية والخارجية لدولة الكويت. ومع أن دولة الكويت تتمتع بوضع مالي قوي وفوائض مالية ضخمة، إلاّ أنه من غير المناسب التعويل على استدامة تلك المستويات المرتفعة من الفوائض المالية، وهو الوضع الذي يتطلب نظرة حصيفة في التعامل مع تلك المعطيات، من خلال تركيز السياسات المالية والاقتصادية للدولة على تعظيم درجة الاستفادة منها، مع صون حقوق الأجيال القادمة. وفيما يتعلق بالإجراءات والتدابير المطلوبة لمواجهة المشكلات والتحديات التي يواجهها الاقتصاد الكويتي كما ألمحت لها سلفًا، فمما لا شك فيه أن معطيات الواقع الاقتصادي تُبرز الحاجة إلى توجيه وتكريس اهتمامات السياسة المالية – كونها أحد أبرز روافد السياسة الاقتصادية للدولة- نحو اتخاذ إجراءات تنفيذية تكفل تنويع الاقتصاد الوطني، وتعزيز دور القطاع الخاص في دفع عجلة النمو الاقتصادي المُستدام، واستيعاب الأعداد المُتزايدة من العمالة الوطنية مع الاهتمام بالإرتقاء بمستوى تأهيل وتدريب تلك العمالة، وإكسابها مهارات متميزة وتطوير إمكاناتها، بما يفي بمتطلبات سوق العمل. من جانب أخر، وفي ضوء الرؤية الإستراتيجية التنموية للدولة، تبرز الحاجة المُلحَّة في هذه المرحلة إلى تحرير الأنشطة الاقتصادية من القيود البيروقراطية، وذلك بالتزامن مع إيجاد صياغات جديدة ومتطورة للمعالجات الإدارية لجميع الأنشطة الاستثمارية والمالية والاقتصادية. الأمر الذي يتطلب العمل على تطوير منظومة التشريعات ذات الصلة بالشأن الاقتصادي، لاسيما المتعلقة بتيسير دورة ممارسة الأعمال، إلى الحد الذي يكفل تهيئة المناخ الاستثماري وتعزيز الجاذبية الاستثمارية للاقتصاد الكويتي، وكذلك ما يرتبط بتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص بمختلف أشكالها. وبذلك فإن جهود الاصلاح يجب أن تسير على محورين متوازيين رئيسيين، حيث ينصب المحور الأول على الارتقاء بمستوى الإدارة الاقتصادية، وبما يدعم القطاع الخاص ويعمل على تعزيز دوره ومشاركته في دفع عجلة النشاط الاقتصادي. أما المحور الثاني، فيرتكز على دفع جهود الإصلاح المالي والعمل على زيادة مرونة الموازنة العامة على جانبي الإيرادات والمصروفات، من خلال تنمية الايرادات غير النفطية، والحد من تنامي المصروفات العامة الجارية. وبهذا الخصوص أخذت وزارة المالية عدة خطوات كان أخرها والذى تم الاعلان عنه فى مطلع الأسبوع الماضى أنها وبالتعاون مع البنك الدولى أعدت برنامجاً لإصلاح الإدارة المالية للدولة على النحو الذى يهدف إلى تعبئة الموارد المالية بصورة كفؤة ، والتخصيص الأمثل لها من أجل تحقيق الأهداف الإنمائية الاقتصادية والاجتماعية وفقاً لمنهجية واضحة تسهم فى ضبط وترشيد الانفاق العام وتقدير التكلفة الحقيقية للأعمال المدرجة فى خطة الجهات الحكومية المختلفة بما يسهم فى تعظيم المردود من الانفاق العام للدولة ، وكذلك إعادة هيكلة الميزانية وفقاً للاقتصاد الكلى وتطبيق المعايير والمؤشرات المعتمدة دولياً فى نظم الادارة المالية العامة. وتعكف الحكومة وبالتعاون مع السلطة التشريعية حالياً على إصلاح هيكل الأجور في القطاع الحكومي من خلال نظام متكامل للمرتبات فى الدولة وعلى النحو الذى يحدث قدراً أكبر من العدلة بين مختلف الفئات الوظيفية ، ويراعى فى ذات الوقت متطلبات الوظيفة ، بما يضمن نمو أجور العاملين فى الدولة بشكل متوازن يواكب الارتفاع فى تكلفة المعيشة حتى نحافظ على القيمة الحقيقية لدخول المواطنين وهو ما يسمى بالبديل الاستراتيجي. هذا فضلاً عن مواصلة جهود استحداث وتطوير التشريعات ذات الصلة بالشأن الاقتصادي وكان آخرها صدور الصيغة الحديثة لقانون الشراكة مع القطاع الخاص وهو القانون رقم 116 لسنة 2014 ، والذى تم فيه تجاوز أوجه القصور فى القانون السابق بما يعطى القطاع الخاص فرصة أوسع للمساهمة فى التنمية الاقتصادية. الأخوة والأخوات ، ، ، لا يسعني في ختام كلمتي إلاّ أن أتوجه لحضراتكم بكل الشكر والتقدير، مؤكدًا على ثقتي من أن هذا الجمع الكريم، الذي يضم نخبة من الخبراء والمتخصصين، من شأنه أن يُهيئ فرصة طيبة لإلقاء الضوء على العديد من القضايا المالية والاقتصادية التي تشغل دول العالم بصفة عامة، ودول المنطقة على وجه الخصوص. متطلعاً إلى ما سوف تسفر عنه أعمال المؤتمر من نتائج وتوصيات تسهم في تحقيق مستهدفات دولة الكويت في ظل قيادة وتوجيه حضرة صاحب السمو أمير البلاد وسمو ولي العهد حفظهما الله ورعاهما. وفقكم الله ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ، ، ،