• "إن الصورة الحقيقية للمالية العامة للدولة لا تتضح من مقارنة اجمالي الإيرادات بإجمالي المصروفات، وما يترتب على ذلك من عجز أو فائض، وإنما من خلال مقارنة الايرادات غير النفطية بإجمالي المصروفات"
كشفت بيانات الحساب الختامي عن السنة المالية 2013/2014 عن أن اجمالي الإيرادات العامة بلغ 31,811 مليون دينارا، مقارنة بالسنة المالية السابقة حيث كانت إجمالي الإيرادات 32,009 مليون دينار، وهو ما يمثل تراجعا طفيفا بنسبة 0.6%.
من ناحية أخرى فقد بدأت بوادر تراجع إيرادات النفط التي حذرت منها المؤسسات الدولية المختلفة، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، حيث تراجعت الإيرادات النفطية من 29,970 مليون دينار في السنة المالية 2012/2013، إلى 29,292 مليون دينار في السنة المالية 2013/2014، أي بنسبه 2.3%، وتجدر الاشارة إذا استمر تراجع الإيرادات فان ذلك يؤثر سلبا على المالية العامة للدولة.
من ناحية أخرى فقد مثلت الإيرادات النفطية 92.1% من إجمالي الإيرادات الحكومية في السنة المالية 2013/2014، مقارنة بنسبة 93.6% في السنة المالية السابقة، وقد أدى ذلك إلى ظهور تحسن في نسبة الإيرادات غير النفطية إلى إجمالي الإيرادات في السنة المالية 2013/2014 لتصبح 7.9 %، مقابل نسبة 6.4 % سنة 2012/2013.
كذلك كشفت بيانات الحساب الختامي لهذا العام عن استمرار ارتفاع نطاق العجز غير النفطي في المالية العامة للدولة (الفرق بين إيرادات الحكومة غير النفطية واجمالي نفقاتها في السنة المالية)، وهو المقياس الأكثر دقة ومناسبة فيما يتعلق بعرض الصورة الحقيقية لأوضاع المالية العامة للحكومة.
فقد اقتصرت قيمة الايرادات غير النفطية، والتي تشكل المصادر التقليدية للإيرادات في أي اقتصاد غير نفطي، على 2.519 مليار دينارا موزعة كالآتي:
• 86,969 مليون دينار ضرائب على صافي الدخل والأرباح
• 20,975 مليون دينار ضرائب ورسوم على الممتلكات
• 4,623 مليون دينار ضرائب ورسوم على السلع والخدمات
• 275,881 مليون دينار ضرائب ورسوم على التجارة والمعاملات الدولية
• 703,240 مليون دينار إيرادات الخدمات
• 1,402,693 مليون دينار إيرادات ورسوم متنوعة
• 25,148 مليون دينار إيرادات رأسمالية
وبالمقارنة مع السنة المالية السابقة، فقد بلغت الإيرادات غير النفطية 2.039 مليار دينارا، أي بزيادة نسبتها 23.6%، وقد تركزت هذه الزيادة في الإيرادات غير النفطية في ارتفاع الإيرادات والرسوم المتنوعة من 954.9 مليون دينارا في السنة المالية 2012/2013 إلى 1402.7 مليون دينارا في السنة المالية 2013/2014.
كذلك بلغ اجمالي الإيرادات الضريبية بكافة أشكالها في السنة المالية 2012/2013، ما يعادل 350.7 مليون دينارا، وقد مثلت 17.2% من إجمالي الإيرادات غير النفطية، أما في السنة المالية 2013/2014، فعلى الرغم من ارتفاع الإيرادات الضريبية بصورة محدودة إلى 388.5 مليون دينار، فقد تراجعت نسبتها إلى إجمالي الإيرادات غير النفطية إلى 15.4%، وهي نسبة منخفضة ، تعكس ضعف معدلات الضريبة المفروضة في الكويت على الرغم من اتساع أساس الضريبة في الدولة.
على الجانب الآخر بلغت الإيرادات غير الضريبية في السنة المالية 2013/2014 ما يعادل 2131.1 مليون دينارا، بما يمثل 84.5% من اجمالي الإيرادات غير النفطية، مقارنة بـ 1688.2 مليون دينار في السنة المالية 2012/2013، وبما يمثل 82.8% من اجمالي الايرادات غير النفطية.
إن بيانات الحساب الختامي الأخيرة تكشف بوضوح عن استمرار الاختلالات الهيكلية في المالية العامة للدولة وتزايد مخاطر الهيكل الحالي للإيرادات بصفة خاصة:
- مازالت الإيرادات الحكومية تتركز أساسا في الإيرادات النفطية والتي تمثل نسبا جوهرية للغاية تزيد عن 90% من إجمالي الإيرادات الحكومية، وهو ما يجعل هيكل الايرادات الحكومية بأكمله تحت رحمة التطورات في السوق العالمي للنفط الخام واتجاهات أسعار النفط والطلب الخارجي عليه.
- مازالت الإيرادات غير النفطية تمثل نسبة ضئيلة من الإيرادات العامة للدولة، حيث تقل في الغالب عن 10%، وهو ما يعكس الحاجة إلى تعديل هيكل الإيرادات العامة للدولة، وخطورة النتائج التي يمكن أن تترتب عن تراجع أسعار النفط على المالية العامة للدولة، خصوصا في ظل استمرار ارتفاع مستويات الإنفاق العام وتركز هذا الإنفاق في جوانب الإنفاق الجاري، وهي أوجه للإنفاق تتسم بالجمود وخصوصاً ( الرواتب ) والتي يصعب تخفيضها إذا ما مالت الإيرادات نحو التراجع.
- إن الصورة الحقيقية للمالية العامة للدولة لا تتضح من مقارنة اجمالي الإيرادات الحكومية بإجمالي المصروفات، وما يترتب على ذلك من عجز أو فائض، وإنما من خلال مقارنة الايرادات غير النفطية بإجمالي المصروفات الحكومية، وهو ما يطلق عليه العجز غير النفطي، والذي يعبر عن مدى مساهمة الإيرادات غير النفطية في تمويل الإنفاق العام للحكومة، ووفقا لبيانات الحساب الختامي في السنة المالية 2013/2014 فقد بلغ العجز غير النفطي ما يعادل 16,384 مليون دينار مقارنة بالسنة المالية 2012/2013، حيث بلغ العجز غير النفطي 17.292 مليون دينار، ولا شك أنه عجز ضخم يعكس ضعف الأساس الحالي للإيرادات العامة للحكومة ويؤكد أن أوضاع المالية العامة للدولة في الوقت الحالي غير مستدامة على المدى الطويل بالنظر الى النمو الكبير والمتزايد في النفقات العامة والتي يتسم معظمها بالجمود النسبي، في الوقت الذي لا توجد فيه أية ضمانة لاستمرار الأوضاع في السوق العالمي للنفط الخام على نحو ملائم، مثلما حذرت الكثير من الدراسات، الأمر الذي يستلزم ضرورة إعادة هيكلة المالية العامة للدولة بهدف زيادة حجم الإيرادات غير النفطية لرفع قدرة الدول على تمويل انفاقها العام من مصادر مستقرة للإيرادات وهذا بالطبع مع تكرار التأكيد بأنه لا يقصد بهذا إطلاقاً استهداف تطبيق ضريبة الدخل على الأفراد، وكذلك ضرورة ضبط النمو في الإنفاق العام للدولة ووضعه تحت السيطرة، ومراجعة الدعم بكافة أشكاله بحيث يتم توجيه لمستحقيه وبشكل اكثر إتقان .