4/4/2017 :: كلمة معالي نائب رئيس الوزراء وزير المالية أنس خالد الصالح في افتتاح ملتقى الكويت المالي الخامس

بسم الله الرحمن الرحيــم أصحاب المعالي والسعادة ،، ضيوفنـا الكــرام ،، الحضور الكريـــم ،، السلام عليكم ورحمـة الله وبركاتـه ،، يطيب لي بداية أن أتقدم بالشكر الى مقام حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه على تفضل سموه مشكوراً برعاية هذا الملتقى ، وتشريفي بالحضور نيابة عن سموه ، كما يسعدني أن أنقل تحيات سموه لكم ولضيوفنا الكرام وأطيب تمنياته بالتوفيق والنجاح لتحقيق الأهداف المرجوة من هذا الملتقــى. الأخوة والأخوات ،، يأتي انعقاد هذا الملتقى في ظل تطورات اقتصادية رئيسية حدثت على عدة مسارات كان أبرزها تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية والذي أدى الى انخفاض إيرادات دول المنطقة بما فيها دولة الكويت، في وقت كانت فيه الأسواق العالمية لم تبلغ بعد مرحلة التعافي الكلي من الأزمة المالية العالمية، وقد تجلى ذلك في بقاء معدلات البطالة عند مستوياتها المرتفعة نسبياً إلى جانب استمرار التضخم دون المعدلات المستهدفة، واستمرار التباطؤ في معدلات نمو الناتج المحلي مع مخاطر الإنكماش الإقتصادي.

كل ذلك كانت له تداعيات على اقتصاديات منطقتنا بشكل عام وعلى الصناعة المصرفية بشكل خاص، حيث وجدت المؤسسات المصرفية نفسها امام ملفات ذات طابع فني ملح منها على سبيل المثال الحاجة الى التعامل مع تزايد المخاطر المترتبة على ارتفاع درجة التوترات الجيوسياسية وقضايا مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والحاجة الى التكيـــــــف مع المعايير الدولية وفي مقدمتها معاييـــــــر بازل (3).

هذا وقد واصل بنك الكويت المركزي إجراءات تحصين القطاع المصرفي وقام خلال عــــــامي 2014 و 2015 بتطبيق كامــــــــل معايـــــــير حزمــــــــــة إصلاحات بـــــازل (3). لقد وضعت هذه التطورات دول المنطقة بشكل خاص أمام حتمية تفعيل وتبني خطط اقتصادية حصيفة تتناغم مع المعطيات المستجدة وتتناسب مع متطلبات هذه المرحلة ، وعليه فقد بدأنا في دولة الكويت بتنفيذ اجراءات للإصلاح المالي والإقتصادي بهدف تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية ، وتنويع مصادر الدخل وتعزيز الإيرادات غير النفطية وترشيد الانفاق العام، وتحسين كفاءة الأداء الحكومي بشقيه المالي والإداري. إن البرامج التي تضمنتها وثيقة الاجراءات الداعمة للإصلاح المالي والاقتصادي في المدى القصير والمتوسط، قد إنطلقت من أسس واقعية وموضوعية أملت علينا حتمية رسم خارطة طريق للتحول الاقتصادي تهدف الى تكريس ثقافة استهلاكية رشيدة تضمن حسن استغلال الموارد وتعتمد على المقومات الكامنة لدى الفرد باعتباره عنصر انتاج وابداع ، كما تهدف الى معالجة الخلل في هيكل الاقتصاد الكويتي عبر تنويع أنشطته اعتمادا على ديناميكية القطاع الخاص وقدراته التفاعلية ، وعلى دور القطاع العام المنظم والداعم لنشاط الأفراد والمؤسسات الخاصة عبر منظومة تشريعية ومؤسسية متطورة ومشاريع شراكة واعدة بما يضمن تحسين القدرة التنافسية لاقتصادنا الوطني، وتحقيق الاستدامة الاقتصادية والمالية.

الأخوة والأخوات ،، لقد حرصت الدولة، في ظل استمرار تراجع أسعار النفط ، على ابعاد الأثر السلبي لهذا التراجع عن الانفاق الاستثماري العام، فواصلت تخصيص اعتمادات متزايدة لهذا الإنفاق في الموازنة العامة بهدف زيادة معدل النمو في القطاعات غير النفطية ، والذي يتوقع أن يصل إلى نحو 3.5 في المئة هذا العام و4 في المئة في سنة 2018.

وقد بلغت تقديرات الإنفاق الاستثماري شاملة الاستثمار الخاص في خطة التنمية حتى العام 2020 نحو 34 مليار دينار. ومن جانبها حرصت السياسة النقدية على استمرار دعم النمو في الائتمان المصرفي المحلي الذي سجل في سبتمبر 2016 نسبة نمو سنوي بلغت 7.2%. كما تعاملت الدولة بإيجابية مع آليات وبدائل تمويل عجز الموازنة العامة ، حيث اختارت أن تضيف الى أداة تمويل العجز عبر السحب من الاحتياطي العام، أدوات جديدة تمثلت في تمويل العجز عبر أداة الائتمان المحلي والخارجي. وحتى نهاية السنة المالية 2016/2017 كان بنك الكويت المركزي قد أصدر، نيابة عن وزارة المالية، سندات وأدوات تمويل إسلامية بلغت قيمتها نحو 2.2 مليار دينار كويتي مما رفع مستوى الدين العام المحلي إلى نحو 3.8 مليار دينار ليشكل بذلك نسبة 9.9% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2017 وقدره 38.2 مليار دينار حسب تقديرات صندوق النقد الدولي. وتم الاكتتاب في هذه الإصدارات من قبل البنوك المحلية مستخدمةً بذلك ما يتوافر لديها من فوائض في السيولة. كذلك حققت الكويت نجاحا قياسيا ومتميزا في تسويق سندات دولية بقيمة 8 مليارات دولار، وذلك بفضل المولى عز وجـل والمصداقية المالية المتميزة للدولة والمعبّر عنها بالتصنيفات الائتمانية السيادية العالية من قبل مختلف مؤسسات التصنيف الائتماني الدولي. وأود أن أؤكد في هذا السيـاق إلى أن ما حققه هذا الإصدار السيادي الخارجي الأول لدولة الكويت من إقبال كثيف في الطلب أو تميز في معدل الفائدة، والذي جاء ثمرة جهود أخوتنا بوزارة المالية والبنك المركزي والهيئة العامة للاستثمار، قد أعاد التأكيد على متانة الاقتصاد الوطني وإمكانية البناء عليها مستقبلاً لاستكمال مسيرة الإصلاح بما يعزز تنافسية الاقتصاد ويفتح آفاقا أوسع أمام القطاع الخاص سواء في التمهيد لإصدار أدواته المالية الخاصة به أو لعب دور أكبر في الحياة الاقتصادية. وضمن السياق التنموي للبلاد بادرت الجهات المختصة في الدولة مؤخرا إلى الإعلان عن الخطوط العامة للرؤية التنموية الحكومية تحت مسمى نحو "كويت جديدة"، حيث أكدت على دور القطاع الخاص والأهداف المرجوة منه في تحقيق التنمية البشرية المستدامة ، بعد تهيئة البيئة المناسبة له من خلال توفير البنية التحتية الصالحة خصوصاً في مجال التعليم بما يتناسب مع متطلبات سوق العمل وبما يفتح آفاقاً أوسع أمام شريحة الشباب بشكل خاص. الأخوة والأخوات ،، ان الجهود التي بذلت في الفترة الماضية ، لا تعفي أحدا من المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقنا جميعا ، وهي الاستمرار في مواجهة التحديات التي تواجه الاقتصاد الكويتي، خاصة في مجال استدامة التنمية. ان المصدر الرئيسي لضمان الاستدامة هو تنويع قاعدة النشاط الاقتصادي بهدف تحسين وتحقيق استقرار الحساب الجاري، ومن ثم الموازنة العامة للدولة، وتنشيط أسواق العمل بما يضمن توفير فرص العمل المنتج للعمالة الوطنية. لقد عقدنا أنا وزملائي أعضاء لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس الوزراء سلسلة لقاءات حوارية صريحة مع مؤسسات المجتمع المدني ، من أجل الاستماع الى وجهات النظر والآراء المتعددة في الاجراءات الاصلاحية التي تم اتخاذها في الفترة السابقة، وفيما تضمنته البرامج التي وردت في وثيقة الاجراءات الداعمة للاصلاح ، كما نتطلع في القريب العاجل الى حوار ايجابي مثمر بعون الله مع شركائنا في مسيرة الاصلاح أعضاء السلطة التشريعية حول تلك الاجراءات ، وعلى ضوء ما تم وما سيتم تداوله في هذه اللقاءات ، وعلى ضوء تجربتنا العملية في تنفيذ بعض من الاجراءات في هذا المسار، فقد قطعنا شوطاً في تطوير مكونات وثيقة الاصلاح بهدف رفع كفاءتها وقدرتها على معالجة الاختلالات ، وهذا التطوير لا يعني بأي حال من الأحوال نكوصا أو تراجعا عن مسيرة الاصلاح. ان وجود برنامج شامل للاصلاح الاقتصادي والمالي انما هو ضرورة لا غنى عنها ولا تراجع ، بصرف النظر عن تطورات أسعار النفط ، وذلك من أجل حماية مستقبل الأجيال القادمة وتحقيق الاستدامة الاقتصادية والمالية ، وان الدعوة الى التخلي عن مثل هذا البرنامج أو النظر اليه من منظور ضيق مرتبط بمستوى السعر الحالي لبرميل النفط ما هو الا هروب من المسؤوليّة والقاء لعبئها على الأجيال القادمة. ونحن على قناعة تامة بأهمية ومحورية دور القطاع الخاص وبصفة خاصة المؤسسات المصرفية والمالية في انجاز التحول الاقتصادي المنشود في دولة الكويت ، من اقتصاد ريعي الى اقتصاد منتج ومتنوع الأنشطة. وأننا على يقين بأن مثل هذه المؤتمرات تشكل المنصة المناسبة للحوار ما بين المسئولين في القطاعين العام والخاص بهدف الخروج بنتائج عملية تأخذ طريقها إلى التنفيذ. وختاماً لا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل لإتحاد مصارف الكويت والمؤسسات المالية والمصرفية في البلاد، على دورها في تنظيم هذه الفعالية وإثراء مضمونها ، والشكر موصول أيضاً لكل من شارك بها من داخل وخارج دولة الكويت. والله الموفق وهو يهـدي السبيــل ،، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،