بسم الله الرحمن الرحيم،،
الحضور الكريم،،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
يسرني أن أُرحّب بكم جميعاً في هذا المؤتمر،،، الذي ينظمه مشكوراً اتحاد مصارف الكويت بالتعاون مع مؤسسة الكويت للتقدم العلمي حول "تطوير سوق السندات في الكويت"، وأن أتوجَّه بالشكر إلى الاتحاد لإتاحة هذه الفرصة للتحدث إليكم،،،، كما اثني على حسن اختيار موضوع المؤتمر في هذا الوقت الذي أصبح فيه تطوير سوق السندات والصكوك يشكل مطلباً أساسياً لاستكمال مقومات وجود أسواق رأس مال متطورة في الكويت من حيث البنية المؤسسية والأدوات،،، بما يعزز الدور المحوري لها في العملية التنموية والاستخدام الأمثل للمدخرات الوطنية،،، ويشمل ذلك تمويل المشروعات وتلبية حاجة الحكومة لتغطية عجز الموازنة العامة،،، فضلاً عن مساهمة هذه الأسواق وأدواتها في تحسين أداء الاقتصاد الكلي.
الحضور الكريم،،،،،
لقد أدىَّ التراجع الحاد الذي شهدته أسعار النفط منذ بداية النصف الثاني من عام 2014 إلى انعكاسات مالية واقتصادية بالغة التأثير على الموازين الداخلية والخارجية لدولة الكويت نتيجة الانخفاض الحاد في الإيرادات النفطية،،، والذي يمثل دون شك تحدياً كبيراً لاقتصاد البلاد الذي يعتمد على النفط كمصدر يكاد يكون وحيداً للدخل،،، وفي ضوء اختلالات هيكلية مزمنة يشهدها الاقتصاد الكويتي انعكست على اوضاع المالية العامة بحيث جرى الاعتماد على إيرادات أحادية المورد،،، مع التنامي المستمر في الانفاق العام الذي يتركز معظمه في بند المصروفات الجارية.
كما أن من مظاهر هذه الاختلالات الهيكلية، محدودية دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي،،، واختلالات في سوق العمل وبشكل أساسي من حيث تركز العمالة الوطنية في الوظائف الحكومية والتحديات المصاحبة لذلك ،،، وعدم وجود تنويع في مصادر الدخل،،، ولا شك أنها جميعها من التحديات الجسام التي تفرض إصلاحات مالية واقتصادية كانت قد استحقت منذ زمن.،،،، وبطبيعة الحال فإننا نقدِّر محاولات وجهود الإصلاح التي شهدتها هذه المسيرة في مناحي متعددة،،، ومنها بشكل خاص ما جاء من توصيات في تقرير اللجنة الاستشارية المكلفة من حضرة صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله ورعاه،،، في أغسطس 2011 بشأن "مسيرة الإصلاح المالي والاقتصادي"،،، أخذاً بالاعتبار مواجهة أي تداعيات محتملة لاستمرار الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الكويتي،،، ولذلك فقد جاء التراجع الحالي في أسعار النفط ليؤكد المخاوف ويشكل من جديد تحديات كبيرة للاقتصاد الكويتي بما لم يعد معه أي مجال لتأخير هذه الإصلاحات.
ومن هنا فقد اعتمد مجلس الوزراء الموقر بتاريخ 14 مارس 2016 ،،،وثيقة الإجراءات الداعمة لمسار الإصلاح المالي والاقتصادي ،،،التي أعدتها لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس الوزراء،،، والتي تهدف إلى تحقيق استدامة أوضاع المالية العامة من خلال إصلاح عدد من الاختلالات الراهنة،،، ولقد تضمنت هذه الوثيقة مجموعة محاور للإصلاح المالي التي تتطلب في معظمها ضرورة وجود أسواق مالية،،، أولية وثانوية متطورة ،،،بما في ذلك أسواق للسندات والصكوك ،،،تكون داعمة لتطوير أسواق رأس المال في دولة الكويت،،، وبما يوفر متطلبات النجاح لبرامج الإصلاح المالي والاقتصادي.
واغتنم هذه الفرصة لدعوة كافة المواطنين إلى حوار حول الوثيقة،،، من خلال المشاركة في استبيان عام تطرحه الوزارة على موقعها الالكتروني،،، لكي نوسع دائرة المشورة ونتعرف على أراء المواطنين الكرام في هذا المسار الإصلاحي.
وانطلاقاً مما تقدم،،، علينا أن ندرك ونحن نتحدث اليوم عن تطوير أسواق السندات والصكوك ،،،أن هذا التطوير ليس مطلباً يفرضه علينا موضوع تمويل عجز الموازنة العامة للدولة،،، بل هو مطلب مستحق منذ زمن،،، وتفرضه الآن متطلبات الإصلاح المالي والاقتصادي ،،،باعتبار أن وجود سوق مالي متطور بمؤسساته وأدواته يعتبر من محاور هذا الإصلاح،،، ولا شك بأن توافر الصكوك، بالإضافة إلى السندات، يمثل ضرورة لكلِ من القطاع المصرفي والبنك المركزي في إطار تطبيق السياسات الرقابية والسياسات النقدية،،، أخذاً بالاعتبار أن القطاع المصرفي الإسلامي أصبح معادلاً تقريباً للقطاع المصرفي التقليدي،،، سواء من حيث عدد مؤسساته أو حجم نشاطه،،، كذلك فإن إصدار الصكوك الحكومية سيعمل على تأسيس منحنى عائد سيادي (Sovereign Yield Curve) لتسعير الصكوك المصدرة من الشركات والذي هو أيضاً من المتطلبات الداعمة لتطوير الأسواق الرأسمالية المحلية،،، ونسعى حالياً بالتعاون والتنسيق مع بنك الكويت المركزي وهيئة أسواق المال لتطوير السوق المالي،،، إلى إصدار تشريعات متكاملة لتوفير مرونة كافية للاقتراض العام من خلال أدوات الدين التقليدية،،، ووضع الأحكام القانونية والتنظيمية لإصدار الصكوك الإسلامية الحكومية.
هذا وقد قمنا في وزارة المالية بإنشاء وحدة خاصة لإدارة الدين العام ،،، تتولى رسم استراتيجيات الاقتراض المناسبة وتقييم المخاطر المصاحبة لخيارات الاقتراض المختلفة ،،، كما تتولى الإشراف على عمليات الاقتراض بالتعاون مع بنك الكويت المركزي والهيئة العامة للاستثمار،،، وسوف تعمل هذه الوحدة بالتعاون والتنسيق مع بنك الكويت المركزي لرصد تأثير الاقتراض العام على أوضاع السيولة ،،، وعلى معدلات أسعار الفائدة وهو ما يتطلب درجة عالية من التنسيق مع السياسة النقدية لبنك الكويت المركزي،،، بما في ذلك التنسيق حول استراتيجية تمويل عجز الموازنة العامة،،، والإجراءات الواجب اتخاذها ومنها الهيكل المقترح لبرنامج الإصدارات المحلية ومراقبة التغيرات في البنية التحتية للسوق.
هذا ويقوم بنك الكويت المركزي منذ عام 1987 بإصدار أدوات الدين العام نيابة عن الحكومة ويستخدم هذه الأدوات، إلى جانب الأدوات الخاصة بالبنك المركزي والمتمثلة في نظام الودائع لأجل والسندات، في تنظيم مستويات السيولة في القطاع المصرفي وذلك في إطار عمليات السياسة النقدية التي تستهدف المحافظة على استقرار السوق النقدي.
وحتى الآن، استطاع بنك الكويت المركزي نيابة عن الحكومة،،، ومن خلال طرح الإصدارات للبنوك المحلية،،، توفير المبالغ المحددة من وزارة المالية لتمويل جزء من العجز من خلال الاقتراض المحلي بالدينار،،، وكما بتاريخ 19/10/2016 بلغ رصيد أدوات الدين العام نحو 2967 مليون دينار كويتي،،، منها نحو 1587 مليون دينار رصيد سندات قائمة منذ سنوات بهدف تنظيم مستويات السيولة في إطار عمليات السياسة النقدية لبنك الكويت المركزي،،، ونحو 1380 مليون دينار رصيد الإصدارات الجديدة المستخدمة لتمويل عجز الموازنة العامة،،، والتي بدأ طرحها من أول شهر أبريل عام 2016،،، والإشارة إلى هذه الأرقام هو للدلالة على تطور حجم الإصدارات الحكومية والتي تعتبر بدورها من مقومات تطوير أسواق السندات والصكوك،،، ونسعى في وزارة المالية إلى مواصلة التعاون والتنسيق مع بنك الكويت المركزي فيما يتعلق بالاقتراض المحلي لتمويل عجز الموازنة العامة،،، باعتبار ذلك مطلباً أساسياً تقتضيه ضرورة التنسيق مع السياسة النقدية للبنك المركزي،،، ونحرص في إطار هذا التنسيق على ألا يكون الاقتراض العام المحلي منافساً لتمويل القطاع الخاص ،،، بحيث يظل متوافراً لدى القطاع المصرفي السيولة الكافية لمواجهة متطلبات تمويل قطاعات الاقتصاد الوطني بما في ذلك مشاريع التنمية،،، لذا فان بنك الكويت المركزي يراقب بشكل مستمر الآثار النقدية والاقتصادية للاقتراض العام المحلي ،،، وذلك للتدخل في السوق النقدي كلما ارتأى ضرورة لذلك.
الحضور الكريم،،،
ختاماً لكلمتي هذه أود التأكيد على أن الإصلاح أصبح أمراً مستحقاً وواقعاً لا محيد عنه من أجل مستقبل الكويت وأجيالها القادمة،،، وكذلك الحال أصبح تطوير أسواق السندات والصكوك أمراً مطلوباً ،،،ليس فقط لأغراض تمويل أي عجز في الموازنة،،، بل لأن هذا التطوير هو أمر تفرضه متطلبات السياسة المالية والسياسة النقدية،،، وتفرضه متطلبات تطوير السوق المالي الذي يشكل بنية تحتية أساسية للتنمية الاقتصادية،،،وبيئة تحقق مطلب توسيع دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي وحشد الموارد والامكانيات اللازمة لأغراض التنمية الاقتصادية،،، وهو ما يمثل ايضاً ركائز أساسية باتجاه تطوير الكويت بما يحقق تطلعات حضرة صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله ورعاه.
أكرر الشكر والتقدير لاتحاد مصارف الكويت على تنظيم هذا المؤتمر الهام،،، داعياً المولى عز وجل أن يلهمنا الصواب ويسدد خطانا جميعاً لخدمة هذا الوطن العزيز واعلاء شأنه تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب السمو أمير البلاد وسمو ولي العهد حفظهما الله ورعاهما.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،